يتفقد الفتى محسن مدفعا مضادا للطائرات من عيار 23 ملم، يعتلي سيارة فيتارا
مدرعة، فيما يقف إلى جواره شقيقه ووالدهما بعد أن تركوا منازلهم في قبيلة
جهم بمحافظة مأرب اليمنية للانضمام على آلاف المقاتلين القبليين في «مطارح
القبائل»، استعدادا لمعركة الدفاع عن قبيلتهم، في مواجهة أطماع جماعة
الحوثي للسيطرة على منابع النفط، كما يقولون، ويفتخر محسن صالح (16 سنة)،
وهو من آل بجيح من قبيلة جهم، بإجادة استعمال مختلف أنواع الأسلحة، وقد
شارك في عدة مواجهات مسلحة ضد الحوثيين، كما يقول لـ«الشرق الأوسط».
وتتجه أنظار مقاتلي قبائل مأرب صوب الحدود الشمالية الغربية للمحافظة، حيث
يتمركز العشرات من مسلحي الحوثيين على بعد 40 كلم، في منطقة مجزر، في
الواقعة في قبيلة الجدعان بمعسكر «ماس»، وهو معسكر تدريبي تابع لقوات ما
كان يعرف بالحرس الجمهوري التي يتهمها أبناء المنطقة بتسليمه للحوثيين ويقع
بالقرب من المنطقة الفاصلة بين محافظة مأرب والجوف.
وأعلن زعماء القبائل المشهورة في مأرب الاستنفار القبلي للدفاع عن محافظتهم
لمنع الحوثيين من دخولها، بعد التهديدات التي أطلقها زعيم الجماعة باجتياح
مأرب بمبرر وجود الإرهاب والتخريب، حيث يحتشد آلاف المقاتلين الذين
يتوافدون منذ 5 أشهر إلى مناطق صحراوية وجبلية في منطقة تسمى «مطارح نخلا
والسحيل»، على الطريق العام الرابط بين المحافظة والعاصمة صنعاء،
و«المطارح» هي تسمية قبلية لتجمعات أبناء القبائل بعتادهم العسكري، في
مناطق صحراوية على حدود قبائلهم، وتلجأ إليها القبيلة عند تعرضها لأي
تهديدات من خارج المنطقة.
وتعهد زعماء القبائل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بحماية أراضيهم وحماية
المصالح النفطية والغازية للبلاد، مؤكدين أنهم لن يسمحوا للحوثيين أو
لـ«القاعدة» بالوجود في مناطقهم، وتبدأ منطقة المطارح على مشارف مدينة مأرب
عاصمة المحافظة، بمدخل عليه خيمة يحرسها بضعة مسلحين، وبالقرب منهم موقع
للجيش يتبع الشرطة العسكرية على الطريق العام، وجرى تقسيم المطارح وفق خطط
عسكرية تنقسم إلى مقدمة ومؤخرة، موزعة في لجان ولكل واحدة منها قائد من
القبيلة التي تنتمي إليها، وقد استفاد أبناء القبائل من الكوادر العسكرية
المنتمين إليهم، بعضهم ضباط كبار في معسكرات الحرس الجمهوري، وهو ما انعكس
على الأساليب القتالية التي اتخذها مقاتلو المطارح من حيث إنشاء لجان
متخصصة، مثل الاستطلاع، ولجان للتغذية ولجان الإعلام ولجان الدعم
اللوجيستي، فيما يدير المطارح مجلس أعلى من كبار زعماء القبائل المشهورة،
وهي قبائل «عبيدة، بنى جبر، مراد، الجدعان، جهم، الأشراف، آل عقيل، آل أبو
طهيف»، وقبل أيام انضم إليها قبائل من محافظتي الجوف والبيضاء التي تشكل مع
مأرب إقليم سبأ ضمن الدولة الاتحادية.
أما عن الأسلحة فتمتلك القبائل أنواعا مختلفة من العتاد العسكري، من
الأسلحة المتوسطة إلى الثقيلة، منها مدافع رشاشة من عيارات متنوعة، أبرزها
عيار 23 المضاد للطائرات، ومدافع مضادة للدبابات، وقذائف صاروخية (آر بي
جي)، فضلا عن عدد من المدرعات التي جرى تصنيعها محليا من سيارات عادية.
وعند التجول داخل مطارح القبائل يمكن ملاحظة وجود الكثير من زعماء ووجهاء
قبائل مأرب يقفون بالصفوف الأولى مع مقاتليهم؛ ففي منطقة نخلا يرابط الشيخ
حمد صالح آل مهيط من مشايخ قبيلة عبيدة، مع رجال القبيلة على تبة رملية على
الخط المشرف على الطريق العام الواصل بين صنعاء ومأرب، ويقول لـ«الشرق
الأوسط»: «إن القبائل تداعت فيما بينها للمرابطة في منطقة المطارح بعد أن
وجدنا الحوثيين يريدون السيطرة عليها»، مضيفا: «الحوثيون يحاولون السيطرة
على مأرب بعد أن سيطروا على مؤسسات الدولة، مدنية وعسكرية، في صنعاء، لكننا
لن نسمح لهم بذلك في مأرب».
ويتحدث آل مهيط عن خيبة أملهم في الدولة التي لم تستطع أن تلزم الحوثيين بمخرجات مؤتمر الحوار واتفاقية السلم والشراكة حيث كان البلد يسير في طريق حل مشكلاته المزمنة، ويقول: «الحوثيون انتهكوا جميع الاتفاقات التي اتفقت جميع الأطراف عليها، فقد احتلوا محافظة عمران، وقتلوا قادة الجيش هناك، ثم احتلوا صنعاء وعددا من المدن، ما أدخل البلاد في فوضى وفتن كبيرة»، منتقدا «أجهزة الدولة التي لم تتحمل مسؤوليتها في حماية الوطن والشعب».
ويتحدث آل مهيط عن خيبة أملهم في الدولة التي لم تستطع أن تلزم الحوثيين بمخرجات مؤتمر الحوار واتفاقية السلم والشراكة حيث كان البلد يسير في طريق حل مشكلاته المزمنة، ويقول: «الحوثيون انتهكوا جميع الاتفاقات التي اتفقت جميع الأطراف عليها، فقد احتلوا محافظة عمران، وقتلوا قادة الجيش هناك، ثم احتلوا صنعاء وعددا من المدن، ما أدخل البلاد في فوضى وفتن كبيرة»، منتقدا «أجهزة الدولة التي لم تتحمل مسؤوليتها في حماية الوطن والشعب».
ولدى الشيخ حمد (55 سنة) 7 أولاد، 5 منهم يرابطون معه في الموقع الذي يحرس
مطارح القبائل، ويؤكد أن «جميع قبائل مأرب والجوف ضد الحوثيين، فنحن نعرف
طريقة الميليشيات في جر البلاد إلى الحرب، فقد قاتلناهم في الجوف، ولن نسمح
لهم بدخول مأرب ولو استمر القتال سنة»، متهما وحدات من الجيش المتمثلة في
الحرس الجمهوري بمشاركة الحوثيين في القتال، وجميعهم لهم أهداف مشتركة،
مؤكدا أن «الشعب اليمني خرج في 2011 لمحاربة الفاسدين، لكن للأسف جاء من هو
أفسد منهم». وعلى مسافة بضعة كيلومترات من الموقع تنصب خيمة كبيرة لزعماء
القبائل، ومن داخلها تجري إدارة المطارح ورعاية شؤونها عبر مجلس شورى.
وبحسب الشيخ عبد الله أحمد السدهان من وجهاء قبيلة مراد، فإن «المطارح لا
تمثل أي خطر على أحد إلا على من يريد تعكير الاستقرار والأمن الذي تعيشه
المحافظة، وهم الحوثيون الذين يمثلون الخطر الأكبر الذي يستهدف المحافظة»،
مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «إن جميع المقاتلين يمثلون قبائلهم وليست لهم
علاقة بأي أحزاب سياسية أو أطراف أخرى»، موضحا أن «كل قبيلة تمول نفسها
وتتكفل لمقاتليها بكل ما يلزمهم من سلاح وذخيرة وغذاء وسيارات، مع التنسيق
مع بقية القبائل». ويؤكد السدهان أن «مقاتلي مأرب يعرفون الحرب جيدا،
ويمتلكون خططا عسكرية احترازية في حال اندلعت الحرب»، ولفت إلى أن «وجود
الحوثيين في مأرب قليل ممن ليس لهم أي مكانة في قبائلهم، وأغلبهم من
المؤيدين للرئيس السابق، لكنهم لا يستطيعون المجاهرة بذلك خشية العار من
أبناء قبيلتهم التي أعلنت رفضها للحوثيين»، مشيرا إلى أن «تماسك القبيلة
وقوة تأثيرها منعا الحوثيين من اختراقها رغم الجهود الكبيرة التي يبذلونها
مع بعض أبناء القبائل».
يتوزع المقاتلون في مجموعات، كل واحدة منها تضم نحو 20 مقاتلا أو أكثر،
ويجري تموينهم بكل ما يلزمهم من الأكل والماء والسلاح، ووضعت قبائل مأرب
الأسلحة الثقيلة في مقدمة المناطق المواجهة للحوثيين على بعد 25 كلم من
المطارح، ويجري توزيع المقاتلين وسياراتهم على امتداد المنطقة، حيث يفصل
بين طقم عسكري وآخر 15 مترا تقريبا.
تشكلت المطارح قبل 5 أشهر بعد اندلاع مواجهات مسلحة بين القبائل والحوثيين
في منطقة «مجزر»، وتوقفت بعد التوصل إلى اتفاق صلح، يقول الشيخ صالح النجف
الذي يدير المطارح إن تعداد المقاتلين يتجاوز 14 ألف مقاتل، وهناك قبائل
بدأت بإرسال مزيد من أبنائها بعد تزايد التهديدات الحوثية ضد مأرب، مضيفا
في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا توجيهات رئيس الجمهورية بالحفاظ على
المصالح العامة، وعلى أمن المحافظة واستقرارها»، ويتابع: «نحن مع شرعية
الرئيس هادي وإلى جانبه؛ فهو الرئيس الشرعي، أما الحوثي فهو محتل وغازٍ
وإرهابي». وحذر النجف من أي خيانة تتعرض لها قبائل مأرب، وقال: «إذا دخل
الحوثي إلى محافظتنا، ووجدنا خيانة من معسكرات الجيش الموجودة في مأرب،
فيجب الترحم على المصالح النفطية»، واستدرك: «أبناء مأرب مع الدولة، وسنكون
رديفا للجيش ضد المخربين وضد الإرهابيين، لكن على الدولة وأجهزتها أن
تتحمل مسؤولياتها».
يلاحظ في مطارح القبائل انتشار أعلام الجمهورية على سياراتهم ومخيماتهم،
وهو رسالة من الموجودين هناك بأنهم مع الدولة، التي يعدونها الجهة الوحيدة
التي لها الحق في بسط نفوذها على مأرب، وخلال تجولنا داخل المطارح حاولنا
البحث عما أشيع من اتهامات بوجود عناصر من تنظيم القاعدة فيها، فلم نجد ما
يؤكد هذه الاتهامات، فأغلب الموجودين هنا من أبناء القبائل البسطاء الذين
يمكن التعرف عليهم من ملامحهم ولهجتهم، ما يدحض هذه الاتهامات التي تعدها
القبائل محاولة فاشلة من الحوثيين لاستعطاف المجتمع الدولي عبر شماعة
«القاعدة».
ولم تقتصر المطارح على وجود شباب القبيلة فقط، فهناك المئات من كبار السن
ممن يرابطون في مخيمات المطارح، فالشيخ عبد الله بن حمد بن غريب يبلغ من
العمر 66 عاما، ولديه 21 من الأبناء والأحفاد، منهم 12 يرافقونه هنا، يقول
لـ«الشرق الأوسط»: «لقد عايشت الأنظمة السياسية في اليمن منذ أكثر من 6
عقود، لكن ما نعيشه اليوم هو المرحلة الأصعب»، مستذكرا الأسلحة التي عرفها
في حياته مثل بندقية 75 الأميركية، والمدافع الهاون، ثم مدافع الهاوزر
والمعدلات وغيرها، وأكد بن غريب «أن أولاده وأحفاده مستعدون للقتال للدفاع
عن قبيلتهم، ضد الغازي الذي جاء من صعدة»، مطالبا الحوثي بطرح نفسه عبر
الطرق المشروعة، وقال: «لو كان يريد لليمن خيرا وسلامة وعزة، فإن عليه أن
يكون حزبا سياسي وينشر فكره بعيدا عن الاستقواء بالسلاح والدماء النهب
والتفجير».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق